ما هو انقطاع الطمث أو سن اليأس؟

يعد انقطاع الطمث نقطة تحول كبيرة في حياة المرأة، وغالبًا ما يتسبب في مجموعة من التحديات التي يمكن أن تؤثر على نوعية الحياة. يرتبط انقطاع الطمث عادة بأعراض مثل الهبات الساخنة وجفاف المهبل، ولكن التأثيرات العميقة على الإدراك غالبًا ما يتم تجاهلها. باعتباري طبيبًا متخصصًا في الطب الطبيعي، غالبًا ما يعبّر مرضاي عن مخاوفهم بشأن التغيرات العاطفية، بما في ذلك مشاكل تذكر الكلمات، وصعوبة التركيز، وزيادة القلق. في هذه المرحلة من حياة المرأة، قد يكون التعامل مع هذه المشكلات أكثر صعوبة لأنها غالبًا ما تواجه أعراضًا أخرى مثل اضطرابات النوم والتعب وزيادة الوزن، مما يجعل من الصعب على المرأة التعامل معها.

تشوش الدماغ الناتج عن انقطاع الطمث

يلعب هرمون الإستروجين دورًا مهمًا في الحفاظ على صحة أدمغتنا وسلامة وظائفها. إنه يساعد في تنظيم عملية التمثيل الغذائي، ويعزز تدفق الدم إلى الدماغ، ويدعم نمو خلايا الدماغ، وكلها أمور مهمة للحفاظ على الذاكرة والتوازن العاطفي. ويعمل الإستروجين أيضًا مع النواقل العصبية، وهي المواد الكيميائية التي تساعد خلايا المخ على التواصل، لتحسين الحالة المزاجية والوظائف الإدراكية. بالإضافة إلى ذلك، يحمي هرمون الإستروجين خلايا المخ من التلف، مما قد يساعد في الوقاية من أمراض مثل الزهايمر.

تحدث العديد من التغيرات أثناء فترة انقطاع الطمث، إلا أن السمة الرئيسية هي انخفاض إنتاج الجسم لهرمون الإستروجين. وهذا الانخفاض في مستويات هرمون الإستروجين يمكن أن يؤدي إلى تغيرات ملحوظة في الصحة العقلية والإدراكية. تعاني العديد من النساء من القلق والاكتئاب ومشاكل في الذاكرة بسبب انخفاض تأثير هرمون الإستروجين على الدماغ. 

كشفت الأبحاث الحديثة عن اتجاهات مهمة فيما يتعلق بانقطاع الطمث وصحة الدماغ. تظهر تقنيات التصوير المتقدمة، مثل فحوصات التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني، أن مستقبلات هرمون الإستروجين في الدماغ تزداد أثناء انقطاع الطمث للتعويض عن انخفاض مستويات هرمون الإستروجين في الجسم. كما ترتبط التغيرات في بنية الدماغ، مثل تغير حجم الحصين، واستقلاب الدماغ، وسلامة المادة البيضاء، بالتدهور المعرفي ومشاكل الصحة العقلية مثل تشوش الدماغ، وتقلب المزاج، ومشاكل الذاكرة.

تؤكد هذه الاتجاهات على أهمية فهم تأثير انقطاع الطمث على صحة الدماغ وتطوير استراتيجيات فعالة لإدارة التحديات المعرفية المرتبطة به. 

كيفية مكافحة تشوش الدماغ

في القسم التالي، سوف نستكشف 3 استراتيجيات لنمط الحياة تعتمد على الأدلة ويمكن أن تساعد النساء على التغلب على انقطاع الطمث مع تحسين الحالة المزاجية وصحة الدماغ. دعونا نتعمق في هذه العادات القوية ونكتشف نصائح عملية لدمجها في روتينك اليومي.

العادة الفعالة الأولى: تحريك الجسم

إن ممارسة النشاط البدني أمر ضروري للحفاظ على صحة الدماغ، لأنه يرتبط بانخفاض معدلات التدهور الإدراكي وتحسن الحالة المزاجية.

تعتبر ممارسة التمارين الرياضية بانتظام مفيدة بشكل خاص بالنسبة للنساء بعد انقطاع الطمث. تشير الأبحاث إلى أن المزايا المعرفية للنشاط البدني أكثر أهمية لدى النساء منها لدى الرجال. تعزز التمارين الرياضية تدفق الدم إلى الدماغ، وتحفز نمو الخلايا العصبية الجديدة، وتطلق الإندورفينات. قد تساعد هذه الإندورفينات في السيطرة على التقلبات المزاجية والقلق من خلال تعزيز المرونة العصبية وتحسين صحة الدماغ بشكل عام أثناء انقطاع الطمث.

إن الجمع بين التمارين البدنية والتدريب المعرفي قد يكون أكثر فعالية للسيطرة على التدهور المعرفي المرتبط بالعمر من ممارسة التمارين الرياضية وحدها. يتضمن هذا النهج، الذي يسمى التدريب المعرفي البدني، أنشطة مثل الرقص، أو فنون الدفاع عن النفس، أو ألعاب الفيديو التفاعلية، والتي تعمل على تحسين اللياقة البدنية والوظائف المعرفية مثل الذاكرة والانتباه وحل المشكلات.

فيما يلي ثلاث نصائح عملية لجعل ممارسة التمارين الرياضية عادة ثابتة والوصول إلى الهدف الموصى به وهو 30 دقيقة من النشاط 5 مرات في الأسبوع:

ابدئي بفترات قصيرة

  • ابدئي بفترات قصيرة وقابلة للتنفيذ كأن تبدئي بفترة من 10 إلى 15 دقيقة من النشاط، ثم زيدي المدة تدريجيًا عندما تصبحين أكثر راحة.
  • حددي أهدافًا واقعية لتجنب الشعور بالإرهاق، كأن تبدئي بثلاثة أيام في الأسبوع والعمل على زيادتها إلى خمسة أيام.

ضعي روتينًا محددًا:

  • حددي مواعيد ثابتة للتدريبات كل يوم واضبطي المنبه أو إدخالات التقويم لتساعدك على الالتزام بمواعيد التدريبات. يساعدك هذا على الاستمرار والالتزام بمواعيد التدريبات مما يساعد على تكوين هذه العادة.

ابحثي عن صديق أو انضمي إلى مجموعة:

  • إن ممارسة التمارين الرياضية مع صديق أو الانضمام إلى مجموعة قد يجعل التدريبات أكثر متعة، كما أن الدعم الاجتماعي يمكن أن يساعدك على الالتزام. 

العادة الفعالة الثانية: تغذية عقلك

التغذية السليمة ضرورية للحفاظ على صحة الدماغ ومواجهة التحديات العاطفية والمعرفية المرتبطة بانقطاع الطمث. إن النظام الغذائي المتوازن الغني بالفواكه والخضروات والحبوب الكاملة والبروتينات الخالية من الدهون والدهون الصحية يوفر العناصر الغذائية الضرورية لدعم وظائف المخ والصحة العقلية بشكل عام، بل إنه مفيد أيضًا لصحة العظام والقلب، وهي اعتبارات هامة أثناء مرحلة انقطاع الطمث. تكمن قيمة هذا النظام الغذائي في التنوع الواسع في عناصره الغذائية، والعديد منها مفيد بشكل خاص للدماغ في مرحلة انقطاع الطمث.

حاولي التركيز على العناصر الغذائية الثلاثة التالية كطريقة عملية لمساعدتك على دمج هذه العادة القوية:

  1. تدعم مضادات الأكسدة الموجودة في الأطعمة مثل التوت والشوكولاتة الداكنة والخضروات الورقية والفاصوليا صحة الدماغ بصفة خاصة. أظهرت دراسة حديثة أجريت على كبار السن أن تناول ما يعادل كوبًا واحدًا من التوت الأزرق يوميًا يحسن الذاكرة والقدرة على اتخاذ القرار بشكل ملحوظ. بالإضافة إلى تناول مجموعة متنوعة من الأطعمة الغنية بمضادات الأكسدة في نظامك الغذائي، فإن تناول   الفيتامينات المتعددة  التي تحتوي على فيتامينات أ و ج و هـ إلى جانب العناصر الغذائية النباتية يمكن أن يكون خيارًا جيدًا لتعزيز صحة الدماغ أثناء انقطاع الطمث. 
  2. تعتبر أحماض أوميجا 3 الدهنية، الموجودة في الأسماك والمكسرات والبذور، من العناصر الغذائية المهمة الأخرى. تدعم هذه الأحماض الدهنية صحة الدماغ وتحسّن المزاج أثناء انقطاع الطمث عن طريق تقليل الالتهاب وزيادة مستويات السيروتونين، مما يساعد على منع الاكتئاب وتحسين الصحة العاطفية. على الرغم من أهمية المصادر الغذائية، إلا أن تناول  مكملات أوميجا 3  بمقدار جرامين إلى 4 جرامات يوميًا قد يكون ضروريًا لتحقيق الفوائد المثلى.
  3. تعمل فيتامينات ب، بما في ذلك ب 6، ب 12، وحمض الفوليك على ضبط الحالة المزاجية، وتحسين الوظيفة الإدراكية، وإنتاج الطاقة، وصحة الدماغ بشكل عام. يمكن أن تساعد فيتامينات ب  في تخفيف أعراض انقطاع الطمث مثل القلق، وتشوش الدماغ، وتقلبات المزاج. تشمل المصادر الطبيعية لفيتامينات ب اللحوم الخالية من الدهون والأسماك والخضروات الورقية والبقوليات ومنتجات الألبان.

بالإضافة إلى الغذاء، يلعب الماء دورًا كبيرًا في صحة الدماغ والصحة النفسية. اشربي الكثير من الماء طوال اليوم للحفاظ على وظائف المخ المثالية ومنع الجفاف الذي يمكن أن يؤثر على الحالة المزاجية والقدرات المعرفية. احرصي على شرب ما لا يقل عن 8 أكواب من الماء يوميًا وفكري في شرب شاي الأعشاب أو الماء المنقوع للتنويع. يمكنك تحسين صحة دماغك ورفاهتك العامة أثناء انقطاع الطمث من خلال تطبيق هذه النصائح.

العادة الفعالة الثالثة: إعطاء الأولوية للفرح

يمكن أن يكون انقطاع الطمث فترة تحولية، حيث يوفر فرصة فريدة لإعادة التواصل مع نفسك وإعطاء الأولوية للاهتمام بنفسك والتعاطف معها. غالبًا ما تجد النساء أنفسهن في أدوار تقديم الرعاية، مع التركيز على احتياجات من حولهن، وأحيانًا على حساب رفاهيتهن. يمكن أن تكون هذه المرحلة من الحياة وقتًا لتحويل هذا التركيز إلى الداخل وتبّني الممارسات التي تغذي عقلك وروحك.

فيما يلي ثلاث استراتيجيات عملية لجلب المزيد من الفرح وتحسين تشوش الدماغ أثناء انقطاع الطمث:

  1. ممارسة اليقظة الذهنية:  ادمجي التأمل واليوجا في روتينك اليومي لتقليل القلق وتعزيز الاسترخاء. تساعد هذه الممارسات على تنظيم هرمونات التوتر وتعزيز الصحة العقلية.
  2. إعطاء الأولوية للنوم:  ضعي لنفسك روتين نوم منتظم، وهيّئي بيئة نوم مريحة، وتجنبي المنبهات قبل النوم لتحسين جودة النوم. يعد النوم الجيد ضروريًا لصحة الدماغ والرفاهية العاطفية.
  3. شاركي في أنشطة ممتعة:  أعيدي اكتشاف الأنشطة التي تجلب لكِ السعادة أو مارسيها، مثل الرقص أو اليوجا أو الرسم أو البستنة. يمكن لهذه الأنشطة أن تعمل على تحسين حالتك المزاجية وصحتك العقلية بشكل ملحوظ.

عندما تجعلين الفرح أولوية لك، فإنك لا تعملين على تعزيز رفاهيتك العامة فحسب، بل تقدمين نموذجًا يحتذى به في حب الذات والاهتمام بالآخرين من حولك. اغتنمي هذه الفرصة لتغذية روحك والاحتفاء بشخصيتك المرنة النابضة بالحياة.

الخلاصة

قد يكون التعامل مع انقطاع الطمث أمرًا صعبًا، لكنه يوفر أيضًا فرصة فريدة للتواصل مع نفسك وإعطاء الأولوية لرفاهيتك. عندما تتبني عادات القوة المتمثلة في تحريك جسدك، وتغذية عقلك، وإعطاء الأولوية للفرح، يمكنك تحسين صحتك العقلية والعاطفية بشكل ملحوظ خلال هذه الفترة الانتقالية.

المراجع:

  1. Chae M, Park K. Association between dietary omega-3 fatty acid intake and depression in postmenopausal women. Nutr Res Pract. 2021;15(4):468-478. doi:10.4162/nrp.2021.15.4.468
  2. Hogervorst E, Craig J, O'Donnell E. Cognition and mental health in menopause: A review. Best Pract Res Clin Obstet Gynaecol. 2022;81:69-84. doi:10.1016/j.bpobgyn.2021.10.009 
  3. Keawtep P, Wichayanrat W, Boripuntakul S, Chattipakorn SC, Sungkarat S. Cognitive Benefits of Physical Exercise, Physical-Cognitive Training, and Technology-Based Intervention in Obese Individuals with and without Postmenopausal Condition: A Narrative Review. Int J Environ Res Public Health. 2022;19(20):13364. Published 2022 Oct 16. doi:10.3390/ijerph192013364
  4. Mosconi L, Jett S, Nerattini M, et al. In vivo Brain Estrogen Receptor Expression By Neuroendocrine Aging And Relationships With Gray Matter Volume, Bio-Energetics, and Clinical Symptomatology. Preprint. Res Sq. 2023;rs.3.rs-2573335. Published 2023 Feb 27. doi:10.21203/rs.3.rs-2573335/v1 
  5. Milart P, Woźniakowska E, Wrona W. Selected vitamins and quality of life in menopausal women. Prz Menopauzalny. 2018;17(4):175-179. doi:10.5114/pm.2018.81742 
  6. Wood E, Hein S, Mesnage R, et al. Wild blueberry (poly)phenols can improve vascular function and cognitive performance in healthy older individuals: a double-blind randomized controlled trial. Am J Clin Nutr. 2023;117(6):1306-1319. doi:10.1016/j.ajcnut.2023.03.017 
  7. Yelland S, Steenson S, Creedon A, Stanner S. The role of diet in managing menopausal symptoms: A narrative review. Nutr Bull. 2023;48(1):43-65. doi:10.1111/nbu.12607